انتشرت صور عن
الصخرة
التي عرج بها الحبيب صلى الله عليه
وسلم
ولذا أحببت التنبيه على ما يلي
فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في
( مجموع الفتاوى مجلد: 27-كتاب
الزيارة بتصرف ص11، 12، 13 ):
" أما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظّمون
الصخرة، وما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبي –صلى الله
عليه وسلم-، وأثر عمامته، وغير ذلك، فكله كذب، وأكذب منه من يظن أنه موضع
قدم الرب، وكذلك المكان الذي يذكر أنه مهد عيسى –عليه السلام-كذب، وإنما
كان موضع معمودية النصارى، وكذا من زعم أن هناك الصراط والميزان، أو أن
السور الذي يضرب بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد، وكذلك
تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعاً.
والصخرة لم يصل عندها عمر –رضي الله
عنه-، ولا الصحابة
ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين
عليها قبة،
بل كانت
مكشوفة في خلافة عمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، ويزيد، ومروان،
وبنى عليها عبد الملك بن مروان
القبة.
وقال: إن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه لما فتح البلد قال:لكعب الأحبار: أين ترى أن أبني مصلى المسلمين؟
قال: ابنه خلف الصخرة: قال خالطتك يهودية، بل أبنيه أمامها، فإن لنا صدور
المساجد، فبنى هذا المصلى الذي تسميه العامة " المسجد الأقصى " وهو البناء
الاول للجامع القبلي ولم يبقى من بناء عمر بن الخطاب رضي الله عنه شئ "أما
البناء الحالي فهو البناء الأموي"، ولم يتمسّح
بالصخرة، ولا قبلها ولا صلى عندها، كيف وقد ثبت عنه في الصحيح: "
أنه لما قبل الحجر الأسود قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع،
ولولا إني رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقبلك لما قبلتك ".
وقد ضعّف الإمام ابن القيم كل
الأحاديث الواردة في الصخرة، فقال في المنار المنيف (87-88): " وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى، والقدم الذي
فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين، الذين يروجون لها ليكثر سواد
الزائرين، وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة
اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل
الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام، ولما أراد أمير
المؤمنين عمر ابن الخطاب أن يبني المسجد استشار الناس: هل يجعله أمام الصخرة، أو خلفها؟ فقال له كعب يا أمير
المؤمنين ابنه خلف الصخرة، فقال يا ابن اليهودية، خالطتك اليهودية! بل
أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون، فبناه حيث هو اليوم).
وقال عبد الله بن هشام صاحب
كتاب "تحصيل الأنس لزائر القدس " ( مخطوط)ص64 : " قد
بلغني أن قوماً من الجهلاء يجتمعون يوم عرفة بالمسجد، وأن منهم من يطوف
بالصخرة، وأنهم ينفرون عند غروب الشمس، وكل ذلك ضلال وأضغاث أحلام ".
ومما تدل عليه عبارة صاحب
المخطوطة: أن هناك تجاوزات لبعض عامة الناس
في تقديس الصخرة.
وكان
رفضاً واضحاً من علماء المسلمين لهذه التجاوزات، وتحذيراً للعامة منها.
ويقول الشيخ محمد ناصر الدين
الألباني –رحمه الله- عن تقديس الصخرة في المسجد الأقصى" الفضيلة للمسجد الأقصى، وليست للصخرة، وما ذكر فيها لا
قيمة له إطلاقاً من الناحية العلمية، ولا ينبغي تقديس ما لم يقدسه الشرع،
ولا تعظيم ما لم يعظمه الشرع".
ومما يذكر في سيرة الصحابة
وأئمة المسلمين أنهم إذا دخلوا المسجد الأقصى قصدوا الصلاة في المصلى الذي
بناه عمر،
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية
في ( اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ج2 ص817): " وأما المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ
إليها الرحال، وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم: الأقصى، والأقصى اسم
للمسجد كله، ولا يسمى هو ولا غيره حرماً، وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة.
فبنى
عمر المصلى الذي في القبلة، ولم يصل عمر ولا المسلمون عند الصخرة، ولا
تمسحوا بها، ولا قبلوها, وقد ثبت أن
عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه، وصلى
فيه، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع، وكذلك نقل
عن غير واحد من السلف المعتبرين، كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان
الثوري وغيرهم.
فصخرة بيت المقدس باتفاق
المسلمين لا يسن استلامها، ولا تقبليها، ولا التبرك بها كما يفعله بعض
الجهال، وليس لها خصوصية في الدعاء، ويجب تحذير
المسلمين من هذا الفعل.
ولم يثبت حديث صحيح في فضل
الصخرة، وكل ما قيل فيها لا يصح سنده على رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وروى مسلم في صحيحه عن مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، " يكون في آخر الزمان دجالون
كذابون يأتون من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم،
لا يضلونكم، ولا يفتنونكم " .
وقد برّر البعض ممن كتب في
فضائل بيت المقدس التساهل في التدقيق بالأحاديث الواردة من باب أنه في
فضائل الأعمال يعمل بالأحاديث الضعيفة، وقد تجاوز البعض حتى نقل المكذوب
والموضوع، وأخذ من كلام القصاص مما لا ينبغي ذكره.
وتنبيه
الناس على أمر صخرة بيت المقدس
لا يقلل
من فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس بالبركة والفضيلة
وثبت عن رسول الله –صلى الله
عليه وسلم- في كتب الصحاح والسنن الكثير من الأحاديث التي نصت على ما حباه
الله تعالى من الخير والبركة، وبينت الخصائص التي تميز بها المسجد الأقصى
وأرضه لما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة في الشرع الإسلامي.
وكما قيل: مهما جلست تحدث
بفضائل المسجد الأقصى فلن تنتهي إلى ما انتهى الله إليه في قوله تعالى:
" سبحان
الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"
. فبركة المسجد الأقصى ثابتة
بالكتاب والسنة، ولنا غنى في الصحيح منها عن الموضوع والمكذوب.
والخلاصة: أن
كل ما قيل في هذه الصخرة أصله من أهل الكتاب، وليس له أصل في كتب العقيدة
الإسلامية، ولا في الصحيح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
البيضاء العلمية