هو عالم الأمة وربانيها، وأحد أقطابها ومن كبار مفسريها، سعيد بن جبير الأسدي الوالبي أبو محمد الكوفي المكي، أحد أئمة الإسلام في التفسير والفقه، وأكبر تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهم وأكثرهم علمًا وورعًا وعبادة وفقهًا، ومن أطول الناس قراءة للقرآن وقيامًا به، وكان لا يفتي في حياة أستاذه ابن عباس إجلالاً واحترامًا له.
وكان سعيد بن جبير ممن اشترك في ثورة ابن الأشعث سنة 81هـ، والتي قام بها أهل العراق ضد والي الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي، والتي كادت تعصف بالحكم الأموي كله، لقوتها المادية بانضمام عشرات الآلاف فيها، والمعنوية لتأييد واشتراك الكثير من العلماء والفقهاء والقراء والحفاظ فيها وعلى رأسهم سعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى وجبلة بن زحر.
ظلت هذه الثورة مشتعلة قرابة العامين، ثم انتهت وقتل ابن الأشعث وغيره، وفر كثير من الناس ومنهم سعيد بن جبير وذلك سنة 83هـ، إذ انتقل سعيد للإقامة في أصبهان، فأرسل وراءه الحجاج من يحضره، فظل سعيد ينتقل من مكان لآخر طيلة 12 سنة حتى استقر في مكة، وكان انتقال سعيد من مكان لآخر لنشر العلم والفقه في المقام الأول وليس فرارًا من الحجاج، ذلك لأن الحجاج كان يعرف مكان إقامته في مكة، وتجاهل ذلك وترك سعيدًا.
قام والي مكة «خالد القسري» بالقبض على «سعيد بن جبير» وأرسله إلى العراق للحجاج الذي كره هذه الفعلة من «خالد القسري» ولكن للحفاظ على هيبته وسطوته بين الناس، قام الحجاج بقتل سعيد بن جبير في 16 شعبان 95هـ، بعد حوار قصير بين الطاغية والداعية، وقام سعيد بالدعاء على الحجاج فقال: «اللهم لا تسلطه على أحد بعدي» فما كانت إلا أيامًا معدودات حتى قصم الله عز وجل الحجاج في رمضان من نفس السنة، وقد قال سفيان الثوري: «لقد قتل سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه»، وكان في الخمسين تقريبًا يوم مقتله.
الجدير بالذكر أن قصة قتل سعيد بن جبير المشهورة في كتب التراجم ومنها حلية الأولياء ووفيات الأعيان وغيرهما، والذي يكثر الوعاظ والخطباء في سردها، وأن الحجاج قال لسعيد بن جبير: أنت شقي بن كسير إلى آخر هذه القصة ـ لا تثبت مطلقًا، ولا أصل لها، ذكرنا ذلك للتنبيه.